سورة الفرقان - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)}
{لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذكر} تعليل لتمنيه المذكور وتوضيح لتعلله، وتصديره باللام القسمية للمبالغة في بيان خطئه وإظهار ندمه وحسرته أي والله لقد أضلني فلأن عن ذكر الله تعالى أو عن موعظة الرسول عليه الصلاة والسلام أو عن كلمة الشهادة أو عن القرآن {بَعْدَ إِذْ جَاءنِى} أي وصل إلى وعلمته أو تمكنت منه فلا دلالة في الآية على إيمان من أنزلت فيه ثم ارتداده {وَكَانَ الشيطان للإنسان خَذُولًا} مبالغًا في الخذلان وهو ترك المعاونة والنصرة وقت الحاجة ممن يظن فيه ذلك، والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبله إما من جهته تعالى أو من تمام كلام الظالم على أنه سمي خليله شيطانًا بعد وصفه بالاضلال الذي هو أخص الأوصاف الشيطانية أو على أنه أراد بالشيطان ابليس لأنه الذي حمله على مجالسة المضلين ومخالفة الرسول الهادي عليه الصلاة والسلام بوسوسته وإغوائه فإن وصفه بالخذلان يشعر بأنه كان يعده في الدنيا ويمنيه بأن ينفعه في الآخرة وهو أوفق الحال إبليس عليه اللعنة.


{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30)}
{وَقَالَ الرسول} عطف على قوله تعالى: {وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} [الفرقان: 21] إلخ وما بينهما اعتراض مسوق لاستعظام ما قالوه وبيان ما يحيق بهم من الأهوال والخطوب، والمراد بالرسول نبينا صلى الله عليه وسلم وشرف وعظم وكرم، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة لتحقيق الحق والرد على نحورهم حيث كان ما حكى عنهم قدحًا في رسالته صلى الله عليه وسلم أي قالوا كيت وكيت وقال الرسول إثر ما شاهد منهم غاية العتو ونهاية الطغيان بطريق البث إلى ربه عز وجل والشكوى عليهم {قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِى} الذين حكى عنهم ما حكى من الشنائع {اتخذوا هذا القرءان} الجليل الشأن المشتمل على ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم {مَهْجُورًا} أي متروكًا بالكلية ولم يؤمنوا به ولم يرفعوا إليه رأسًا ولم يتأثروا بو عيده ووعده، فمهجورًا من الهجر بفتح الهاء عنى الترك وهو الظاهر، وروي ذلك عن مجاهد. والنخعي. وغيرهما، واستدل ابن الفرس بالآية على كراهة هجر المصحف وعدم تعاهده بالقراءة فيه، وكان ذلك لئلا يندرج من لم يتعاهد القراءة فيه تحت ظاهر النظم الكريم فإن ظاهره ذم الهجر مطلقًا وإن كان المراد به عدم القبول لا عدم الاشتغال مع القبول ولامًا يعمهما فإن كان مثل هذا يكفي في الاستدلال فذاك وإلا فليطلب دليل آخر للكراهة. وأورد بعضهم في ذلك خبرًا وهو «من تعلم القرآن وعلق مصحفه لم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقًا به يقول: يا رب عبدك هذا اتخذني مهجورًا اقض بيني وبينه» وقد تعقب هذا الخبر العراقي بأنه روي عن أبي هدبة وهو كذاب، والحق أنه متى كان ذلك مخلًا باحترام القرآن والاعتناء به كره بل حرم وإلا فلا.
وقيل: مهجورا من الهجر بالضم على المشهور أي الهذيان وفحس القول والكلام على الحذف والإيصال أي جعلوه مهجورًا فيه إما على زعمهم الباطل نحو ما قالوا: إنه {أساطير الأولين اكتتبها} [الفرقان: 5] وإما بأن هجروا فيه ورفعوا أصواتهم بالهذيان لما قرئ لئلا يسمع كما قالوا: {لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ} [فصلت: 26] وجوز أن يكون مصدرًا من الهجر بالضم كالمعقول عنى العقل والمجلود عنى الجلادة أي اتخذوه نفس الهجر والهذيان، ومجيء مفعول مصدرًا مما أثبته الكوفيون لكن على قلة، وفي هذه الشكوى من التخويف والتحذير ما لا يخفى فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب ولم ينظروا.
وقيل: إن {قَالَ} إلخ عطف على {يَعَضُّ الظالم} [الفرقان: 27]، والمراد ويقول الرسول إلا أنه عدل إلى الماضي لتحقق الوقوع مع عدم قصد الاستمرار التجددي المراد عونة المقام في بعض وإن كان إخبارًا عما في الآخرة.
وحال عطفه على {وَكَانَ الشيطان} [الفرقان: 29] إلخ على أنه من كلامه تعالى لا يخفى حالة، وقول: الرسول ذلك يوم القيامة وهو كالشهادة على أولئك الكفرة وليس بتخويف وإلى ذلك ذهبت فرقة منهم أبو مسلم، والأول أنسب بقوله تعالى:


{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)}
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ المجرمين} فإنه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل له على الاقتداء ن قبله من الأنبياء عليهم السلام، والبلية إذا عمت هانت، والعدو يحتمل أن يكون واحدًا وجمعًا أي كما جعلنا لك أعداء من المشركين يقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون من الأباطيل جعلنا لكل نبي من الأنبياء الذين هم أصحاب الشريعة والدعوة إليها عدوًا من مرتكبي الجرائم والآثام ويدخل في ذلك آدم عليه السلام لدخول الشياطين وقابيل في المجرمين ويكتفي بدخول قابيل إن أريد بالمجرمين مجرمو الإنس أو مجرمو أمة النبي، وقيل: الكلية عنى الكثرة، والمراد بجعل الأعداء جعل عداوتهم وخلقها وما ينشأ منها فيهم لا جعل ذواتهم، ففي ذلك رد على المعتزلة في زعمهم إن خالق الشر غيره تعالى شأنه، وقوله تعالى: {وكفى بِرَبّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} وعد كريم له عليه الصلاة والسلام بالهداية إلى كافة مطالبة والنصر على أعدائه أي كفاك مالك أمرك ومبلغك إلى الكمال هاديًا لك إلى ما يوصلك إلى غاية الغايات التي من جملتها تبليغ ما أنزل إليك وإجراء أحكامه في أكناف الدنيا إلى أن يبلغ الكتاب أجله وناصرًا لك عليهم على أبلغ وجه.
وقدر بعضهم متعلق «هاديًا» إلى طريق قهرهم، وقيل: المعنى هاديًا لمن آمن منهم ونصيرًا لك على غيره، وقيل: هاديًا للأنبياء إلى التحرز عن عداوة المجرمين بالاعتصام بحبله ونصيرًا لهم عليهم وهو كما ترى. ونصب الوصفين على الحال أو التمييز.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13